استعاد الشارع الكروي الهدوء وعاد الجمهور اللبناني الى واقعه. كان «مقطب الحاجبين» اكثر من أي وقت مضى، فبعد ان عاش في نعيم انجازات المنتخب، وظن للوهلة ان الطريق الى البرازيل لم تعد تبعد سوى امتار، اكتشف ان المسافة تحتاج الى سنوات طويلة اخرى يجب ان يكون العمل فيها على شكل ما حصل خلال الاشهر الماضية.
لكن رغم هذا الشعور، فإن الامل ما زال يراود اللبنانيين، باللعب على المركز الثالث، في الدور المكمل من التصفيات لـ«مونديال 2014»، وان كان الموقف صعبا الى درجة ان حصد تسع نقاط من المباريات المتبقية للمنتخب امام اوزبكستان، وايران وكوريا قد يبدو فيه شيء من المغالاة، اذا لم يكن مستحيلا.
وبعد ان كان منتخب لبنان بكرة القدم مالئ الدنيا وشاغل الناس خلال الاشهر الاخيرة، تحول فجأة الى كبش محرقة، فطالته الانتقادات، وصب البعض جام غضبه عليه.
تناول الناس الامر وكأنه مؤامرة، او استهتار من اللاعبين، وانتشرت الشائعات، التي تشير الى عمليات تورط بأمور عدة قيل عنها احيانا، انها هي السبب في تخاذل البعض وعدم ظهورهم بالمظهر اللائق. وجاءت تصريحات بوكير الذي اصيب بالدهشة من المظهر الذي ظهر به المنتخب، لتوحي بعلامات استفهام بشأن عدد من الامور، كان ابرزها ان اللاعبين لم يكونوا على قدر المسؤولية». لقد خذلوني ولم يقدموا المطلوب منهم، المستوى العام في المباراة لم يعكس مستوانا الحقيقي». كل هذه الدلائل كانت كفيلة كي تدفع الناس الى الاحباط وتعيدهم الى نقطة الصفر.
وكثرت التساؤلات: هل صحيح ان هناك لاعبين متورطين كما اشيع او قيل؟ ام ان الامر مجرد مبالغة ليس الا؟ الجواب كان من الاتحاد نفسه الذي جدد ثقته بالمنتخب وباللاعبين وبالجهاز الفني، وبالداعمين له، ما يوحي بان كل ما قيل كان لضرب استقرار المنتخب قبل مباراته الاخيرة ولتشتيت اذهان اللاعبين وهذا ما حصل.
وتقول مصادر بوكير انه يعيش حالة ارتياب ويتسـاءل: كيف يمكن لمنتخب اسـتطاع ان يغلب منتخب ايران، ان يخسر أمام منتـخب قطر الذي يقل عنه في الامكانيات الفنية والتكتيـكية كثيرا... لا اعتقد ان هناك أي تورط بالمعنى الحقيقي وان كان الشـك ساور كل المتابعين للمباراة».
وبوكير الذي يرفض الخوض بتفاصيل دقيقة حول هذا الموضوع او غيره، ولا يريد الحديث عن أي شيء لان مهمته تنحصر بعملية الإعداد فقط، خصوصا ان هناك تصفيات غرب آسيا، وان الامل بمركز في المجموعة ما زال قائما، فإنه يفضل الصمت خوفا على لاعبيه، وللمحافظة على التماسك والالتزام.
عنتر
عندما عاد منتخب لبنان الى بيروت كان قائده رضا عنتر اكثر اللاعبين واقعية، شعر لدى عودته بانه يتحمل مسؤولية هذا الاخفاق. لكنه عندما يتكلم لا يوفر أي لاعب على الاطلاق، ويقول لـ«السفير»: انا لاعب بين 11 لاعبا، ولست سوبرمان المنتخب، الكل يتحمل ما آلت اليه النتيجة، لكن بالمجمل، فان الخسارة لم تكن منصفة، وهي جاءت في وقت كان الفريق يتهيأ لهز شباك المنتخب القطري. عاندنا الحظ ولم نوفق. لعبنا الشوط الأول بامتياز، لكننا تقاعسنا في الثاني من دون مبرر».
كثير من الاسئلة تجول في خاطر اللاعب الفنان المحترف في الصين، وصحيح انه لم يكن بمستواه المعهود كما يقول، وكل لاعب معرض الى مثل هذا الموقف، الا ان ظروف المباراة حكمت عليه، ان ينكفئ بعض الشيء قبل ان يفجر كرته تلك التي ابعدها الحارس وكادت ان تكون كفيلة بتغيير نتيجة المبارة.
ورضا عنتر كان دائما صاحب «الحمل الثقيل». اثبت انه قادر على قيادة المنتخب، في اكثر من مناسبة حمل «شارة» القائد وكان على قدر المسؤولية، وعندما ابعدته الاصابة لاشهر عن المنتخب، كان على لبنان ان يدفع ثمن ذلك تعادلا وخسارة على ارضه امام اوزبكستان وقطر.
«بوكير اعطانا الثقة ودفعنا الى الفوز»، يقول عنتر ويشير الى المدير الفني الالماني بكلامه وينقل عنه انه قال للاعبين: «ان منتخب قطر ليس افضل منا، وانه بمقدورنا ان نفوز عليه»، «لكن هذا الكلام لم يدخل عقول هؤلاء، فلعبوا والخوف ينتابهم، ما اوصلنا الى هذه النتيجة».
لكن لماذا لم تؤد مثل العادة خصوصا ان كل الجمهور اللبناني كان يبني آماله عليك؟ يجيب: «لا استطيع ان اقوم بمهام 10 لاعبين في المنتخب، فقدراتي كما تلاحظون لها حدود، كان هناك ظروف للمباراة ولعبت وانا اعاني من اصـابة بقدمـي وظهري، ورغم ذلك حاولت كثيرا الخروج من حالة الرقابة التي فرضـت علي لكن بعض الزملاء الذين كان يجب اسـتبدالهم بمن فيهم انا، بعض هؤلاء لم يسـاعدني لفك الطـوق عن منطقتـنا».
وعن مسألة المراهنات وضلوع لاعبين فيها وهل صحيح ان هناك بعض المتورطين، خصوصا في مباراة قطر؟ رد قائلا: «لا اعتقد ان المسألة هي مسألة مراهنات، الجميع يظن بذلك، لكن اغلب الظن إثم... لانني اعتقد انها كانت عملية مدبرة لتشتيت اذهان اللاعبين، وحصلت في السابق، انها شائعات، شكلت ضغطا على اللاعبين خلال المباراة فاصيب اللاعبون بالخوف، التقاعس، او الوقوع بالغلط، معتبرين انهم سيكونون في دائرة الظن، فكان ان ظهرنا بهذا الشكل وتأثر الفريق بأكمله. وبرأيي، اذا كان هناك أي اثبات على تورط احد اللاعبين، فليحاسب في الحال، لا بعد وقت، لان ذلك سيفيد المنتخب ولن يضره».
واعلن عنتر تمسكه بالمدير الفني بوكير، وقال تعقيبا على ذلك: «انا مع بقاء بوكير وعلاقتي جيدة به، والاتيان باي مدير فني آخر سيعيدنا الى نقطة الصفر».
ورأى ان ما تحقق، لم يحدث في تاريخ الكرة اللبنانية، وهذا الامر بحاجة الى المزيد من المتابعة والاهتمام، فالاتحاد لم يقصر، وعلى الدولة ان تولي المنتخب كل الاهتمام».